فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد: تخزون به مكان ترهبون به وذكرها الطبري على جهة التفسير لا على جهة القراءة وهو الذي ينبغي لأنه مخالف لسواد المصحف، وقرأ السلمي عدوًّا لله بالتنوين ولام الجر، قال صاحب اللوامح: فقيل أراد به اسم الجنس ومعناه أعداء الله وإنما جعله نكرة بمعنى العامّة لأنها نكرة أيضًا لم تتعرف بالإضافة إلى المعرفة لأنه اسم الفاعل ومعناه الحال والاستقبال ولا يتعرف ذلك وإن أضيف إلى المعارف وأما {عدوّكم} فيجوز أن يكون كذلك نكرة ويجوز أن يكون قد تعرّف لإعادة ذكره ومثله رأيت صاحبًا لكم فقال لي صاحبكم والله أعلم انتهى.
وذكر أولًا {عدوّ الله} تعظيمًا لما هم عليه من الكفر وتقوية لذمّهم وأنه يجب لأجل عداوتهم لله أن يقاتلوا ويبغضوا ثم قال: {وعدوّكم} على سبيل التحريض على قتالهم إذ في الطبع أن يعادي الإنسان من عاداه وأن يبغي له الغوائل والمراد بهاتين الصفتين من قرب من الكفار من ديار الإسلام من أهل مكة ومشركي العرب، قيل ويجوز أن يراد جميع الكفار وآخرين من دونهم أصل دون أن تكون ظرف مكان حقيقة أو مجاز.
قال ابن عطية: {من دونهم} بمنزلة قولك دون أن تكون هؤلاء فدون في كلام العرب ومن دون تقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة التي فيها القول ومنه المثل: وأمر دون عبيدة الوزم، قال مجاهد وآخرين: بنو قريظة، وقال مقاتل: اليهود، وقال السدّي: أهل فارس، وقالت فرقة: كفار الجن ورجّحه الطبري واستند في ذلك إلى ما روي من أنّ صهيل الخيل تنفر الجنّ منه وأنّ الشياطين لا تدخل دارًا فيها فرس الجهاد ونحو هذا، وقالت فرقة: هم كل عدوّ للمسلمين غير الفرقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرّد بهم من خلفهم، وقال ابن زيد: هم المنافقون وهذا أظهر لأنه قال: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} أي لا تعلمون أعيانهم وأشخاصهم إذ هم متسترون عن أن تعلموهم بالإسلام فالعلم هنا كالمعرفة تعدى إلى واحد وهو متعلّق بالذوات وليس متعلقًا بالنسبة ومن جعله متعلقًا بالنسبة فقدّر مفعولًا ثانيًا محذوفًا وقدره محاربين فقد أبعد لأنّ حذف مثل هذا دون تقدّم ذكر ممنوع عند بعض النحويين وعزيز جدًا عند بعضهم فلا يحمل القرآن عليه مع إمكان حمل اللفظ على غيره وتمكنه من المعنى وقدّره بعضهم لا تعلمونهم فازغين راهِبين الله يعلّمهم بتلك الحالة والظاهر أن يكون إشارة إلى المنافقين كما قلنا على جهة الطّعن عليهم والتنبيه على سوء حالهم وليستريب بنفسه كلّ من يعلم منها نفاقًا إذا سمع الآية وبفزعهم ورهبتهم غنى كبير في ظهور الإسلام وعلوّه، وقال القرطبي ما معناه لا ينبغي أن يعين قوله: {وآخرين} لأنه تعالى قال: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} فكيف يدّعي أحد علمًا بهم إلا أن يصحّ حديث فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى، ثم حضّ تعالى على النفقة في سبيل الله من جهاد وغيره وكان الصحابة يحمل واحد الجماعة على الخيل والإبل وجهّز عثمان جيش العسرة بألف دينار يوفّ إليكم جزاؤه وثوابه من غير نقص، وقيل هذه التوفية في الدنيا على ما أنفقوا مع ما أعدّ لهم في الآخرة من الثواب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ} توجيهُ الخطاب إلى المؤمنين لما أن المأمورَ به من وظائف الكلِّ كما أن توجيهَه فيما سبق وما لحِق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكون ما في حيزه من وظائفه عليه الصلاة والسلام أي أعِدّوا لقتال الذين نُبذ إليهم العهدُ وهيِّئوا لحِرابهم أو لقتال الكفار على الإطلاق وهو الأنسبُ بسياق النظمِ الكريم {مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ} من كل ما يُتقوَّى به في الحرب كائنًا ما كان وعن عقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه سمعتُه عليه الصلاة والسلام يقول على المنبر: «ألا إن القوةَ الرميُ» قالها ثلاثًا.
ولعل تخصيصَه عليه الصلاة والسلام إياه بالذكر لإنافته على نظائره من القُوى {وَمِن رّبَاطِ الخيل} الرباطُ اسمٌ للخيل التي ترُبط في سبيل الله تعالى فِعال بمعنى مفعول أو مصدرٌ سميت هي به يقال: رَبَط ربطًا ورِباطًا ورابط مُرابطة ورِباطًا، أو جمعُ رَبيطٍ كفصيل وفصال، أو جمع رَبْطٍ ككعْبٍ وكَعاب وكلب وكلاب، وقرئ رُبُط الخيل بضم الباء وسكونها جمع رباط، وعطفُها على القوة مع كونها من جملتها للإيذان بفضلها على بقية أفرادِها كعطف جبريلَ وميكائيلَ على الملائكة {تُرْهِبُونَ بِهِ} أي تخوّفون وقرئ تُرهّبون بالتشديد وقرئ تُخزون به والضميرُ لما استطعتم أو للإعداد وهو الأنسبُ ومحلُّ الجملةِ النصبُ على الحالية من فاعل أعدوا مرهِبين به أو من الموصول أو من عائده المحذوفِ أي أعدوا ما استطعتموه مُرهَبًا به {عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} وهم كفارُ مكة خُصّوا بذلك من بين الكفار مع كون الكلِّ كذلك لغاية عتوِّهم ومجاوزتِهم الحدَّ في العداوة {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا} من غيرهم من الكفرة وقيل: هم اليهودُ وقيل: المنافقون وقيل: الفرسُ {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ} أي لا تعرفونهم بأعيانهم أو لا تعلمونهم كما هم عليه من العداوة وهو الأنسبُ بقوله تعالى: {الله يَعْلَمُهُمْ} أي لا غيرُه تعالى أيضًا: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شيء} لإعداد العَتادِ قلَّ أو جل: {فِى سَبِيلِ الله} الذي أوضحه الجهاد {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي جزاؤه كاملًا {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} بترك الإثابة أو بنقض الثوابِ، والتعبيرُ عن تركها بالظلم مع أن الأعمالَ غيرُ موجبةٍ للثواب حتى يكون تركُ ترتيبِه عليها ظلمًا لبيان كمالِ نزاهتِه سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدورُه عنه تعالى من القبائح، وإبرازُ الإثابةِ في معرِضِ الأمور الواجبةِ عليه تعالى كما مر في تفسير قوله تعالى: {فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ} خطاب لكافة المؤمنين لما أن المأمور به من وظائف الكل أي أعدوا لقتال الذين نبذ إليهم العهد وهيئوا لحرابهم كما يقتضيه السباق أو لقتال الكفار على الاطلاق وهو الأولى كما يقتضيه ما بعده {مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ} أي من كل ما يتقوى به في الحرب كائنًا ما كان، وأطلق عليه القوة مبالغة، وإنما ذكر هذا لأنه لم يكن له في بدر استعداد تام فنبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير القوة بأنواع الأسلحة، وقال عكرمة: هي الحصون والمعاقل.
وفي رواية أخرى عنه أنها ذكور الخيل.
وأخرج أحمد ومسلم وخلق كثير عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة إلا أن القوة الرمي» قالها ثلاثا. والظاهر العموم إلا أنه عليه الصلاة والسلام خص الرمي بالذكر لأنه أقوى ما يتقوى بها فهو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة».
وقد مدح عليه الصلاة والسلام الرمي وأمر بتعلمه في غير ما حديث، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام: «كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة انتضالك بقوسك وتأدبك فرسك وملاعبتك أهلك فانها من الحق» وجاء في رواية أخرها النسائي وغيره: «كل شيء ليس من ذكر الله تعالى فهو لغو وسهو إلا أربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة» وجاء أيضًا: «انتضلوا واركبوا وأن تنتضلوا أحب إليّ ان الله تعالى ليدخل بالسهم والواحد ثلاثة الجنة صانعه محتسبا والمعين به والرامي به في سبيل الله تعالى».
وأنت تعلم أن الرمي بالنبال اليوم لا يصيب هدف القصد من العدو لأنهم استعلموا الرمي بالبندي والمدافع ولا يكاد ينفع معهما نبل وإذا لم يقابلوا بالمثل عم الداء العضال واستد الوبال والنكال وملك البسيطة أهل الكفر والضلال فالذي أر اده والعلم عند الله تعالى تعين تلك المقابلة على أئمة المسلمين وحماة الدين، ولعل فضل ذلك الرمي يثبت لهذا الرمي لقيامه مقامه في الذب عن بيضة الإسلام ولا أرى ما فيه من النار للضرورة الداعية إليه إلا سببًا للفوز بالجنة إن شاء الله تعالى، ولا يبعد دخول مثل هذا الرمي في عموم قوله سبحانه: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ} {وَمِن رّبَاطِ الخيل} الرباط قيل: اسم للخيل التي تربط في سبيل الله تعالى على أن فعال بمعنى مفعول أو مصدر سميت به يقال: ربط ربطًا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا.
واعترض بأنه يلزم على ذلك اضافة الشيء لنفسه.
ورد بأن المراد أن الرباط بمعنى المربوط مطلقًا إلا أنه استعمل في الخيل وخص بها فالإضافة باعتبار المفهوم الأصلي.
وأجاب القطب بأن الرباط لفظ مشترك بين معاني الخيل وانتظار الصلاة بعد الصلاة والإقامة على جهاد العدو بالحرب، ومصدر رابطت أن لازمت فاضيف إلى أحد معانيه للبيان كما يقال: عين الشمس وعين الميزان، قيل: ومنه يعلم أنه يجوز أضافة الشيء لنفسه إذا كان مشتركًا، وإذا كانت الإضافة من إضافة المطلق إلى المقيد فهي على معنى من التبعيضية، وجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال أو جمع ربط ككعب وكعاب وكلب وكلاب.
وعن عكرمة تفسيره بإناث الخيل وهو كتفسيره القوة بما سبق قريبًا بعيد، وذكر ابن المنيران المطابق للرمي أن يكون الرباط على بابه مصدرًا، وعلى تفسير القوة بالحصون يتم التناسب بينه وبين رباط الخيل لأن العرب سمت الخيل حصونًا وهي الحصون التي لا تحاصر كما في قوله:
ولقد علمت على تجنبي الردا ** أن الحصون الخيل لا مدر القرى

وقال:
وحصنى من الأحداث ظهر حصاني

وقد جاء مدحها فيما لا يحصى من الأخبار وصح: «الخيل معقود في نواصها الخير إلى يوم القيامة».
وأخرج أحمد عن معقل بن يسار والنسائي عن أنس لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل.
وميز صلى الله عليه وسلم بعض أصنافها على بعض.
فقد أخرج أبو عبيدة عن الشعبي في حديث رفعه: «التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الارثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى».
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل واختلف في تفسيره ففي النهاية الشكال في الخيل أن تكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة تشبيهًا بالشكال الذي يشكل به الخيل لأنه يكون في ثلاث قوائم غالبًا وقيل: هو أن تكون الواحدة محجلة والثلاث مطلقة، وقيل: هو أن تكون احدى يديه وإحدى رجليه من خلاف محجلتين، وإنما كرهه عليه الصلاة والسلام تفاؤلا لأنه كالمشكول صورة، ويمكن أن يكون جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة، وقيل: إذا كان مع ذلك أغرب زالت الكراهة لزوال شبه الشكال انتهى.
ولا يخفى عليك أن حديث الشعبي يشكل على القول الأول إلا أن يقال: إنه يخصص عمومه وإن حديث التفاؤل غير ظاهر، والظاهر التشاؤم وقد جاء: «إنما الشؤم في ثلاث في الفرس والمرأة والدار» وحمله الطيبي على الكراهة التي سببها ما في هذه الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزي عليها، لكن قال الجلال السيوطي في فتح المطلب المبرور: أن حديث التشاؤم بالمرأة والدار والفرس قد اختلف العلماء فيه هل هو على ظاهره أو مئول؟ والمختار أنه على ظاهره وهو ظاهر قول مالك انتهى.
ولا يعارضه ما صح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ذكر الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: «إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس» فانه ليس نصا في استثناء نقيض المقدم وان حمله عياض على ذلك لاحتمال أن يكون على حد قوله صلى الله عليه وسلم: «قد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتى منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب» وقد ذكروا هناك أن التعليق للدلالة على التأكيد والاختصاص ونظيره في ذلك إن كان لي صديق فهو زيد فإن قائله لا يريد به الشك في صداقة زيد بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره ولا مخطور في اعتقاد ذلك بعد اعتقاد أن المذكورات أمارات وأن الفاعل هو الله تبارك وتعالى: وقرأ الحسن {وَمِنْ رّبَاطِ الخيل} بضم الباء وسكونها جمع رباط، وعطف ما ذكر على القوة بناء على المعنى الأول لها للايذان بفضلها على سائر افرادها كعطف جبريل وميكال على الملائكة عليهم السلام {تُرْهِبُونَ بِهِ} أي تخوفون به، وعن الراغب أن الرهبة والرهب مخافة مع تحرز واضطراب وعن يعقوب أنه قرأ {تُرْهِبُونَ} بالتشديد.
وقرأ ابن عباس ومجاهد {تُخْزُونِ} والضمير المجرور لما استطعتم أو للاعداد وهو الأنسب، والجملة في محل النصب على الحالية من فاعل أعدوا أي أعدوا مرهبين به، أو من الموصول كما قال أبو البقاء، أو من عائدة المحذوف أي أعدوا ما استطعتموه مرهبا به، وفي الآية إشارة إلى عدم تعين القتال لأنه قد يكون لضرب الجزية ونحوه مما يترتب على ارهاب المسلمين بذلك {عَدْوَّ الله} المخالفين لأمره سبحانه: {وَعَدُوَّكُمْ} المتربصين بكم الدوائر، والمراد بهم على ما ذكره جمع أهل مكة وهم في الغاية القصوى من العداوة، وقيل: المراد هم وسائر كفاء العرب {وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} أي من غيرهم من الكفرة، وقال مجاهد: هم بنو قريظة، وقال مقاتل: وابن زيد: هم المنافقون، وقال السدى: هم أهل فارس.